في المداخلة التي قدمها محمد الأشعري، الشاعر والروائي ووزير الثقافة السابق، عن آخر دواوين الزجال المغربي أحمد لمسيح: "كْلام آخُر"، ببهو مسرح محمد الخامس بالرباط، مساء يوم الإثنين 16 يناير 2012، اعتبر المتدخل الإصدار من أهم الدواوين الزجلية، وصاحبه، رغم أنه شاعر مقِلّ، من أهم الأصوات الشعرية المغربية المؤمنة بجدوى الكتابة والمخلصة للزجل وللعامية المغربية، مضيفا، في اللقاء الذي نظمه مسرح محمد الخامس بشراكة مع بيت الشعر في المغرب، أن الديوان يلفه طقس جنائزي، ومن ثيماته الموت والخوف والشك والقلق الوجودي، ومن مميزاته إرهاف السمع لفرادة اللغة العامية وحمولتها الشعبية، والنحت من الملحون والعيطة والحكمة...دون مراهنة على سهولة التداول.
وأضاف الأشعري، في الجلسة التي ترأسها أحمد جواد الذي حيّى المحتفى به بتقديم زجلي، أن ديوان "كْلام آخُر" يَعبُر، بلغة شفيفة، جسورا عديدة ، من حيث المضمون والأسلوب، في تواصله مع المتلقي: العبور بين الكتابة والموت، من العامية إلى العبارة الفصيحة، الزجل والجمل الملحونية، الزجل و قصيدة النثر، الإقامة الدائمة بين الاحتضار والبعث، الولادة واشتهاء الموت/موت المؤلف/محو النص...العذاب السيزيفي الذي يحوّل الشعر إلى غواية...
وقد حرص الأستاذ الأشعري على تقديم نماذج ممثلة من الديوان.
الأستاذ الباحث خالد بلقاسم قسم مداخلته إلى شقين: شق يتعلق بالمسار الكتابي العام للمسيح بداية من فترة هيمنة السياسي على الشعري إلى الآن، وشق يتعلق بديوان "كلام آخُر".
وقد ركز المتدخل على الشق الثاني ونادى بضرورة قراءة شعر لمسيح في ضوء التجربة الشخصية والتفاعل مع الكتابة والشعر المعاصرَين. وبعد توقف قصير عند عتبة العنوان الذي يحيل على "رهان آخر" و"موقع آخر".. أشار إلى ثيمة الموت في الديوان كسؤال وجودي وموقع لإنتاج المعنى، إذ لا بد من الموت لتحيا الكتابة..
الديوان ، يقول المتدخل، مكتوب بلغة وسطى بين العامية والفصحى، ويتميز بوعي شعري حاد وخلفية نظرية عميقة، ويتطلب القراءة المتأنية والتأمل والمكابدة.. لسبر أغواره.
مساهمة الشاعر الزجال أحمد المسناوي كانت عبارة عن شهادة مؤثرة، معبرة في حق صديقه، (أخيه الذي ولدته له اللغة الزجلية) أحمد لمسيح، صديقه صداقة دامت عدة عقود من تاريخ مشترك، أثثته الزمالة في التعليم والعمل الجمعوي والنقابي والثقافي والإبداع الشعري و النضال السياسي (سنوات الرصاص)، ومهرجانات الزجل، وولوج هذا التعبير الشعري مجلة "آفاق"..
وقد عبر الأستاذ المسناوي عن مفهومه للشهادة ونوه بثقافة الاعتراف، كما تحدث عن بعض سجايا المحتفى به مثل الإخلاص والوفاء والنزوع الإنساني ومحبة الآخر...
آخر مداخلة كانت للزجال المغربي مراد القادري الذي اعتبر زجل أحمد لمسيح (أول زجال ينشر ديوانا)، تجربة أدبية متميزة، تعبر عن خيار شعري وفني وجمالي مغاير، ينتصر لقول جديد، ويتحرر من الجهر والشعبي، لمعانقة المعاني الصوفية والوجدانية ويفاجئ بالرشاقة والدينامية ومواكبة الحداثة الشعرية ..
أحمد لمسيح شكر المتدخلين، واختار أن يقدم للحاضرين، من الديوان نصا طويلا عنوانه: "إيلا مات كلنا نموتو.."، اعتبر أنه يلخص تجربته في "كلام آخر"، قبل أن تختم الأمسية بتوقيع الشاعر لنسخ من ديوانه الجديد..
تميزت الأمسية بحضور مكثف من المثقفين والمبدعين والإعلاميين والمهتمين، وعلى الخصوص بحضور وزير الثقافة الجديد محمد الأمين الصبيحي، في رسالة منه لمد جسور التواصل بين وزارته والمثقفين، تلك الجسور التي أهملها (حطمها؟) سلفه حميش.
كما تميزت بتقديم الأستاذ محمد مثنى هدية رمزية للشاعر، عبارة عن عباءة "كناوية" و"قراقب".
ديوان "كلام آخر" للمسيح من منشورات بيت الشعر في المغرب، في 120 صفحة من القطع المتوسط، ط1: 2011، دار أبي رقراق، الرباط، التصميم ولوحة الغلاف للشاعر والفنان عزيز أزغاي.